العنف ضد المرأة في ميزان الإسلام
يشكل العنف ضد النساء ظاهرة اجتماعية سالبة، لا تختلف عن غيرها من الظواهر الأخرى التي تبرز في المجتمع، وغالبا ما يستعمل العنف اللفظي مع النساء، من كلمات جارحة وقاسية ولوم لا مكان له وعتاب جارح يحط من كرامة المرأة. وربما يلجأ بعض الرجال الى العنف الجسدي، والذي يترك آثاره الجسمية والنفسية على المرأة .
يضاف إلى ذلك العنف الاعتباري الذي يؤثر على معنويات المرأة و ويهدم حالتها الاعتبارية والمثالية، ويجعلها غير قادرة على مواجهة الحالات التي تتطلب معنوية عالية وكرامة مصانة .
والعنف الاجتماعي من أقوى أنماط العنف الذي يواجهه المرأة، بتوبيخها أمام الآخرين أو بمقاطعتها أو بالتهجم عليها أو بتقييد حريتها وتجميد أنشطتها، لكي لا يكون لها وجود في الأسرة والمجتمع، بحجة ارتكابها لممارسات وأعمال تخل بسمعة الأسرة ومكـــانتها في المجتمع.
مواضع كثيرة في القرآن الكريم توضح مكانة المرأة في المجتمع وحقوقها وواجباتها وضرورة الدفاع عنها والأخذ بيدها إلى طريق الهداية والخير والعدالة والأنصاف، لا سيما في سورة النساء، علاوة على أن القرآن الكريم لم يفرق بين الذكر والأنثى في آياته الكريمة وهديه القويم كإشارة إلى المساواة في النظرة والمعاملة. وكثيرة هي الأحاديث التي توصي بالمرأة وتحث على احترامها وتقديرها ووضعها في المكان الذي تستحقه باعتبارها عنصرا أساسيا من عناصر الحياة فلولاها لما وجدت الحياة ولما ولد الإنسان، فهي عنصر مكمل للرجل، وهي أساس المصاهرة التي تجيز الإنجاب، كأساس لاستمرارية المجتمع و نمائه.
و هناك إشارات واضحة في الكتاب والسنة إلى أن الإسلام لا يفرق بين المرأة والرجل في المهام ولا في الثواب قال تعالى: ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ، و لا في العقاب قال تعالى: من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب .
وقال تعالى فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب . الإسلام دين السلام والمحبة والإخاء، يرفض العدوان بجميع صوره، والقرآن الكريم كتاب الله المنزل على رسوله يحذر من العدوان.
وجاء في خطبة الوداع للنبي عليه الصلاة والسلام: أيها الناس: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم .
وعن عائشة قالت: ما ضرب رسول الله عليه الصلاة والسلام شيئا قط بيده، ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما ينل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم الله عز وجل . رواه مسلم.
ونبه صلى الله عليه وسلم إلى نبذ الحسد والبغضاء والتدابر والخذلان مما يطلق عليه في علم النفس المشاعر العدوانية أو العدائية فعن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال: لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا . المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. التقوى ههنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات .بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه رواه مسلم.
ويجمع حديث أبي هريرة نماذج من العدوان تتمثل في الشتم والقذف وأكل مال الغير وسفك دماء الآخرين حيث يدمغها النبي بأنها الإفلاس أمام الله تعالى يوم القيامه وضياع كل ما قدم المرء من صلاة وصيام وزكاة، بل ويكال عليه من خطايا من وقع عليهم عدوانية حتى يطرح في النار حيث يروي أبو هريرة أن رسول الله قال : أتدرون ما المفلس ؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار. رواه مسلم.
إن القيم الإسلامية التي تحكم المجتمع المسلم، ترسم النهج التربوي السليم الذي يحرص الآباء والمعلمون والمربون في المجتمع المسلم على تربية الناشئة عليه حفاظا على كيان ذلك المجتمع وحرصا على بقائه واستمراره لأن البقاء الحقيقي للإسلام ليس بقاء الأفراد وإنما هو بقاء القيم والمبادئ والأحكام التي يقرها الدين.